مدرسة اتخاذ القرارات

مدرسة أتخاذ القرار

في الوقت الذي كان فيه تيار العلاقات الإنسانية, والنظريات السلوكية للتنظيم سائداً ومنتشراً, كان هناك تيار آخر من الفكر الإداري أكثر عمقاً وأصالة يتطور ببطء ولكن بشكل ترك أثراً عميقا في نظرية التنظيم, ففقي عام 1938م ظهر كتاب "وظائف المديرين" (The Function of the executives) لتشستر بارنارد, وتلاه كتاب "السلوك الإداري" (Administrative behavior) لهربرت سيمون. وقد طبعت منه العديد من الطبعات في الفترة من عام 1947م وحتى عام 1976م, فأحدث تطوراً هائلاً في فكرة الإدارة العامة.

لقد أثار هذان الكاتبان تأثيراً عنيفاً في طبيعة الفكر التنظيمي, وأحدثا تحولاً أساسياً في نظريات التنظيم, فبعد أن كانت النظريات الكلاسيكية تركز على العمل والهيكل التنظيمي, وبعد أن بالغت حركة العلاقات الإنسانية في وصف أهمية العنصر البشري وخصائصه وتحديد الشروط التنظيمية المناسبة لحفز الأفراد على الإسهام في العمل التنظيمي, جاء "برنارد" وتلاه " سيمون: فوضعا أساساً جديداً في النظر إلى التنظيم باعتباره نظاماً اجتماعيا يقوم على اتخاذ القرارات, وبالتالي أصبحت دراسة التنظيم منصبة أساساً على تتبع عملية اتخاذ القرارات وتحديد المؤثرات التي تتفاعل لتوجيه الوصول إلى قرار, كذلك ركز "بارنارد" على اعتبار التنظيم نشاط تعاوني, وبالتالي لابد من توافر عنصر "الرغبة في المشاركة لكي يتم تحقيق الهدف" وبذلك وضع دور الفرد في موضعه الصحيح.

وتهتم مدرسة اتخاذ القرارات ( Decision Making school) بالعوامل السلوكية المؤثرة في اتخاذ القرارات, وكيف يتم اتخاذ القرار وكيف يتم نقل القرار عبر المستويات التنظيمية المختلفة, وهو يؤدي إلى الاهتمام بدراسة طرق الاتصال والتنظيمات الرسمية وغير الرسمية وسائر الجوانب التي يمكن أن تؤثر على تنفيذ القرار.

تشستر بارنارد والنظام التعاوني
يرى تشستر بارنارد أن التنظيم عبارة عن نظام تعاوني يقوم على أساس تعاون شخصين أو أكثر من أجل تحقيق هدف محدد. وتقوم نظرية النظام التعاوني عند بارنارد على أساس توافر ثلاثة عناصر رئيسية في التنظيم الرسمي هي :
1-
هدف مشترك يجمع أعضاء التنظيم .
2-
إمكانية الاتصال بين الأعضاء.
3-
الرغبة في العمل والمساهمة من جانب الأعضاء.




وهكذا يجعل بارنارد للعنصر الإنساني والدوافع الإنسانية مركزاً حيوياً في نظريته, وهو بذلك يمثل تياراً فكرياً مختلفاً تماما عما كان سائد من فكر في عصره.

ويعتبر بارنارد التنظيم, نظاما تعاونياً يعتمد على فعالية تعاون أعضائه, كما أن استمرار وجوده يتوقف على قدرته في تحقيق أهداف التنظيم من ناحية وأهداف أعضائه من ناحية أخرى.
ولقد اهتمت نظرية بارنارد بالتنظيم غير الرسمي وطرحت أفكاراً واضحة حول علاقته بالتنظيم الرسمي, فكل تنظيم رسمي في رأي بارنارد ينشأ بالضرورة عن تنظيم غير رسمي, ثم عندما يشرع التنظيم الرسمي في العمل, فإن تنظيما غير رسمي ينبع من داخله, أي أن العلاقة بين التنظيمين هي علاقة دائرية, الأصل فيها هو التنظيم غير الرسمي.

والتنظيم غير الرسمي كما يراه بارنارد هو مجموعة التفاعلات والاتصالات بين أعضاء التنظيم, وتبدو أهمية التنظيم غير الرسمي في أنه يخلق لدى الأعضاء اتجاهات ومفاهيم وعادات ويشكل أنماط سلوكهم بدرجة كبيرة, كما أنه يسهم في تهيئة الظروف التي يمكن للتنظيم الرسمي أن يمارس في ظلها أعماله المحددة.
ومن أهم الوظائف التي يرى بارنارد أن التنظيم غير الرسمي يقوم بها داخل التنظيم الرسمي ما يلي :
1-
تنمية وتدعيم الاتصالات بين أعضاء التنظيم وأجزائه.
2-
تحقيق التماسك والترابط بين أجزاء التنظيم الرسمي.
3-
تحقيق الشعور بالتكامل الشخصي واحترام الذات وحرية الاختيار بالنسبة لأعضاء التنظيم الرسمي.

وتخص نظرية بارنارد العنصر الإنساني في التنظيم باهتمام كبير, فهي تعتبر الأفراد الراغبين في العمل عنصراً من عناصر التنظيم الرئيسية, كما أن اتصالات هؤلاء الأفراد وتفاعلاتهم في إطار التنظيم غير الرسمي تحتل مكاناً بارزاً في حركة التنظيم.
ولكي يتعاون الفرد على تحقيق أهداف التنظيم, لابد من وجود حوافز (Incentives) تدفعه للعطاء والعمل. ويحدد بارنارد أنه في كل أنواع التنظيمات يصبح تقديم الحوافز الكافية أدق وأخطر مهمة للإدارة للحفاظ على تماسك التنظيم واستمراريته.

وخلاصة القول, أن بارنارد قد أسهم بشكل مباشر في إثراء الفكر الإداري من ثلاثة أبعاد, أولها ؛ العلاقات الإنسانية, وثانيها : اتخاذ القرارات , وثالثها : نظرية التنظيم. كما أن برنارد هو أول من قدم مفهوم قبول السلطة. أي أن السلطة لا يكفي أن يصدر بها قرار بل يجب أن يقبلها المرؤوسون, ويرى كذلك أن اتخاذ القرارات في المنظمة تعتمد على المنطق, وقد قدم مفهوم الحافز والعطاء الذي يساعد على منطقية القرارات لتحقيق الأهداف. فهو يرى أن فعالية القرارات ترتبط بالعلاقة بين أداء الموظف وأسلوب تحفيزه.

هربرت سيمون واتخاذ القرارات
لقد كان اهتمام هربرت سيمون بموضوع اتخاذ القرارات الإدارية واضحاً من خلال كتاباته في هذا المجال والتي كان بدايتها كتابه "السلوك الإداري" (Administrative behavior) الذي ظهر في عام 1947م, والذي اختار له عنواناً فرعياً هو : " دراسة لعملية اتخاذ القرارات في التنظيم الإداري" (A study of Decision Making processes in administrative organization) فقد أوضح سيمون في كتابه هذا أهمية القرارات في الإدارة. واتخذ من عملية اتخاذ القرارات مدخلاً لدراسة الإدارة, لكون هذه العملية في نظرة مظهراً للسلوك الإنساني في الإدارة.
وفي تحليله للقرار الإداري يرى سيمون أنه يتحلل إلى عنصرين أساسيين هما :
أولاً : عنصر التكلفة
ويتمثل فيما يتطلبه اتخاذ القرار وتنفيذه من المال والوقت والجهد خلال مرحلة الإعداد وتجميع البيانات والمعلومات وتصنيفها واقتراح البدائل وتقويمها.
ثانياً : نتائج القرار
وهذا العنصر يتسم بالتعقيد نظراً لارتباطه بالأهداف التي يتوخاها القرار سواء اتخذت هذه الأهداف صورة تحقيق الربح أو صورة خدمات عامة .. وانسجام القرار مع السياسة العامة والخطوط العريضة للمنظمة.

وتناول سيمون بالتحليل صفة الرشد في القرارات, فأوضح أن القرار الإداري لايكون رشيداً 100% لأنه ليس من الممكن أن تتوافر لدى متخذ القرار كل مقومات الرشد التي تتطلب توافر معرفته بكل الحلول الممكنة ونتائج كل حل والتقويم السليم لكل البدائل والحلول, ومن هنا يرى سيمون أن على المدير أن يكتفي بالحلول المقبولة بدلاً من الحلول المثالية, لأن قدرة الإنسان ليست قدرة نهائية, وإنما هي قدرة محدودة لا تستطيع إلا أداء أشياء قليلة في وقت واحد, فالإنسان لا يستطيع التعامل إلا مع جزء قليل من المعلومات المختزنة في ذاكرته أو الموجودة في بيئته.
ويفرق سيمون بين القرار الهادف وغير الهادف, والقرار الرشيد وغير الرشيد, والقرار المبرمج وغير المبرمج, فالقرار الهادف هو الذي يرتبط بالهدف النهائي, والقرار غير الهادف هو الذي لا يؤدي لتحقيق الهدف النهائي أو يرتبط به. والقرار الرشيد () هو القرار الذي يعود لاختيار بدائل تؤدي لتحيق الهدف النهائي, والقرار غير الرشيد هو القرار العفوي الذي لا يساعد على الوصول للغاية المرجوة. والقرار المبرمج () هو القرار الذي يخضع لحسابات وخطط دقيقة, ويتبع جداول زمنية محددة ومقننة, أما القرار غير المبرمج, فهو يتطلب قدراً كبيراً من الابتكار, وتختلف أساليب معالجة القرار غير المبرمج عن القرار المبرمج.
وأخيراً وليس آخراً, فقد كان سيمون من الرواد الأوائل الذين تنبهوا إلى استخدام الآلات الحاسبة وأثر الاختراعات التقنية في ميادين الإدارة, وذلك لأن قدرتها على تخزين المعلومات والمفاضلة بين البدائل المختلفة تفوق قدرة الأفراد العاديين.
وخلاصة القول, أنه كان للفكر الإداري الذي تزعمه هربرت سيمون (Herbert simon) أثره في التأكيد على أهمية القرارات في الإدارة, بل واتخاذه من عملية اتخاذ القرارات مدخلاً لدراستها لكونها مظهراً للسلوك الإنساني في الإدارة.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الربح عن طرق الانترنت